انتخابات العراق: استياء الناخبين لن يغير معادلات السلطة

خاص للمدونة - (123rf)

انتخابات العراق: استياء الناخبين لن يغير معادلات السلطة

رغم انها تتم استجابة لاحتجاجاتهم، شباب ثورة تشرين لن يشاركوا في الانتخابات

 

سامان نوح*

في اليوم الانتخابي الخاص بقوى الأمن والنازحين، في انتخابات البرلمان العراقي، جرى كل شيء “على أفضل وجه” وفق بيانات الحكومة والمفوضية العليا للانتخابات، لكن مدوني منصات التواصل الاجتماعي نقلوا عشرات الخروقات، بعضها موثقة بصور وفيديوهات، تؤكد ان الأمور لا تسير بنزاهة.

تتنوع الخروقات التي جرى توثيقها او الحديث عنها، بين الضغوط على النازحين في الخيم الذين يشملهم التصويت الخاص الى جانب القوى الأمنية، وحتى قرب المراكز الانتخابية وتوجييههم للتصويت لأشخاص محددين يحملون صورهم وأرقامهم وتذكيرهم بمخاطر التصويت لغيرهم، الى جانب توجيهات الضباط لجنودهم وافراد الأمن العاملين معهم على التصويت لأسماء محددة بل واظهار الجهة التي صوتوا لها عبر تصوير عملية الادلاء بصوتهم.

تلك الضغوط، التي تتباين بين الترغيب والتخويف والترهيب، تمارسها الاحزاب الكبيرة في كل مناطق البلاد، سواء التي تملك أذرع مسلحة (مليشيات) او التي تغلغلت عبر أعضائها وخلال سنوات طويلة في الأجهزة الامنية للدولة من جيش وشرطة وأمن، عبر التعيينات المزكاة من قبلها.

يتوقع مراقبون ومرشحون ان تكون الخروقات أكبر في التصويت العام، اليوم الأحد العاشر من اكتوبر/تشرين الأول، حيث يحق لنحو 25 مليون بالغ عراقي التصويت، في ظل شكوك وتبادل الاتهامات التي طالت كل عمليات الانتخاب السابقة طوال 18 عاما، والتي بلغت ذروتها في الانتخابات الأخيرة عام  2018 التي سجلت فيها خروقات كبيرة وصلت الى حد حرق مئات من صناديق الاقتراع في مخازن مفوضية الانتخابات.

وواجهت المفوضية العليا للانتخابات اتهامات من كل الأطراف السياسية والمدنية بأنها فشلت في أداء واجبها، وانها وقفت عاجزة عن وقف التزوير، بل ساهمت به من خلال اعلان مشاركة وصلت الى 44% في انتخابات 2018 في وقت أعطى فيه مراقبون ونشطاء أرقام تظهر بأن حجم المشاركة لم يتجاوز الـ30% وشكلت حينها أكبر مقاطعة للعملية الانتخابية.

 

( توقعات بمشاركة ضعيفة للشيعة والكرد)

تأتي الإنتخابات الجديدة قبل موعدها بنحو عام، وقد فرضتها احتجاجات شعبية غير مسبوقة ضد فساد النظام السياسي والطبقة السياسية الحاكمة والتي قتل فيها نحو 600 متظاهر وجرح 20 ألفاً، قبل ان تسقط حكومة عادل عبد المهدي وتشكل حكومة مؤقتة جديدة اقتصرت مهمتها على اجراء انتخابات مبكرة ومحاسبة قتلة الناشطين. لكن المهمة الثانية لم تتحقق بل استمر مسلسل القتل والاختطاف بحق نشطاء الاحتجاجات، ما دفع غالبية القوى الشبابية التي كان يفترض ان تشارك في الانتخابات لتغيير الواقع السياسي الى الانسحاب واعلان مقاطعتها.

في ظل هذا الوضع، يتوقع نشطاء ومنظمات معنية بالانتخابات ان تكون نسبة المشاركة ضعيفة، وان لا يحصل اي تغيير حقيقي في المشهد السياسي، في ظل استمرار سيطرة الاحزاب والقوى ذاتها على مفاتيح السلطة من مواقع حكومية ومال وسلاح،  خاصة مع الشكوك بقدرة المفوضية على ضمان انتخابات نزيهة حتى بعد تغيير كوادرها من موظفين تعينهم الاحزاب الى قضاة تختارهم الاحزاب ذاتها.

جملة الشكوك تلك هي التي جعلت الحملات الانتخابية ضعيفة في المناطق الشيعية التي قادت احتجاجات تشرين، ولا تقارن بالحملات في الانتخابات السابقة، الأمر نفسه في اقليم كردستان. فحماسة الشارع الكردي بدت ضعيفة، فلم يستطع القادة الكرد ملء مدرجات الملاعب بمؤيديهم كما كانوا يفعلون في السابق بل ان مؤشرات التصويت الخاص في الاقليم أظهرت تراجع نسبة التصويت بنحو 20%. وفي السليمانية معقل الاتحاد الوطني الكردستاني ابطل 15% من المصوتين بطاقاتهم في حركة احتجاجية واضحة.

ضعف الحملات الانتخابية عموما في الشارعين الشيعي والكردي وعدم الحماسة التي يبديها الناخبون هناك، جاءت على خلفية فشل القوى الشيعية الحاكمة في تحسين اوضاع مواطنيهم وتطوير قطاعات الخدمات والبناء والصحة والتعليم فضلا عن معدلات البطالة العالية وعدم تحقيق اية اصلاحات حتى بعد احتجاجات تشرين ووعودها بمواجهة الفساد.

وحتى مع دعوة المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني في نهاية سبتمبر/أيلول الماضي، للمشاركة “الواعية والمسؤولة” في الانتخابات واختيار الأصلح “لإحداث تغيير حقيقي في إدارة الدولة وإبعاد الأيادي الفاسدة وغير الكفوءة عن مفاصلها الرئيسة” لا يتوقع ان تتحسن نسبة المشاركة كثيراً ويرجح ان تظل دون الـ 50% في ظل تحكم القوى التقليدية بالمشهد وغياب القوى البديلة التي يمكن ان تصنع التغيير.

يتكرر ذات المشهد في اقليم كردستان حيث دفعت سلسلة الأزمات الاقتصادية وتوقف الرواتب واستقطاعها واستمرار الفساد وتغوله في كل القطاعات الى جانب ارتفاع نسب البطالة، الى تراجع حجم التأييد للاحزاب الحاكمة وانخفاض شعبيتها حتى في قواعدها الأساسية، وهو ما يتوقع ان ينعكس سلبا على نسب المشاركة في الانتخابات، في وقت كان الكرد وطوال 18 عاما يسجلون نسب المشاركة الأعلى في الانتخابات والتي كانت تتجاوز الـ 70%.

وهنا تراجع نسب المشاركة الكردية والشيعية، لا يعني بالضرورة انخفاض عدد مقاعد القوى التقليدية لهم في البرلمان العراقي، خاصة في ظل عدم وجود قوى منافسة، ومع نظام انتخابي متعدد الدوائر لا يعطي للقوى الصغيرة فرصة للفوز بمقاعد.

(حماسة سنية للمشاركة)

لكن المشهد مختلف في المناطق السنية شمالي وغربي العراق، حيث يرجح مراقبون مشاركة عالية للمكون السني سواء في محافظاته او في المحافظات المختلطة  مثل بغداد ونينوى كما في المناطق المتنازع عليها في كركوك وديالى.

وبدت الحملات الانتخابية في المناطق السنية ساخنة جدا مقارنة بالمناطق الكردية والشيعية، حيث تحتدم المنافسة بين جبهتين سنيتين الاولى تحت اسم (تقدم) ويقودها رئيس البرلمان محمد الحلبوسي ويتوقع ان تحصد غالبية مقاعد المناطق السنية، والثانية يقودها السياسي خميس الخنجر وتحمل اسم (عزم).

وكان الشارع السني هو الأقل مشاركة في الدورات الانتخابية السابقة في ظل دعوات المقاطعة التي كانت تطلقها القوى السنية “المقاومة” للدولة الجديدة وللقوات الأمريكية، لكن المشهد تغير تماما بعد سيطرة تنظيم داعش في العام 2014 على مناطقهم، فما حصل بعدها من تدمير واسع لمدنهم دفع الساسة السنة والشارع السني عموما الى تغيير رؤيته للعملية السياسية باتجاه المشاركة القوية والفعالة في السلطة.

ومن المتوقع ان يحصد الكرد مجددا نحو 55 مقعداً في البرلمان البالغ عدد مقاعده 329، في حين يتوقع ان يحصد العرب السنة نحو 70 مقعداً في حال تحقيق جمهورهم لمشاركة واسعة في بغداد ونينوى وصلاح الدين وديالى.

لكن زيادة عدد مقاعد المكون السني قد لا تحسن موقعه في ادارة الدولة، وتحوله الى شريك قوي، بسبب انقسام المكون بين كتلتين رئيستين متصارعتين (عزم) و(تقدم) وبوجود كتل أصغر، مالم يتوحدوا في جبهة قادرة على فرض مطالبها، واحداها ربما الحصول على منصب رئيس الجمهورية الذي ظل من نصيب الكرد طوال الدورات السابقة.

 

 

 

*سامان نوح كاتب وصحافي عراقي يرأس الشبكة العراقية للصحافة الاستقصائية (نيريج) ومسؤول قسم التحقيقات في مجلة “صباح كوردستان” الاسبوعية التي تصدر عن شبكة الأعلام العراقي. يمكنكم متابعة سامان على فيسبوك عبر الرابط : https://www.facebook.com/samaannoohh