هل تغير مزاج الناخبين: سقط النواب “المجربون” وبقيت احزابهم

الصورة: شبكة اخبار العراق

هل تغير مزاج الناخبين: سقط النواب “المجربون” وبقيت احزابهم

دلوفان برواري

مع اعلان نتائج الانتخابات النياببة في العراق، تذكرت مشهد رئيسة وزراء تشيلي “ميشيل باشليت” التي ودعها الشعب بالقبلات والدموع وهي تغادر مجلس الوزراء بعد انتهاء ولايتها. وبمجرد ذكر اسماء كبار النواب الخاسرين التقط ذهني المقولة القديمة التي يتداولها الناس عن ذلك البلد الذي كان الملك اذا ما خسر السلطة يُركب على حمار بشكل معكوس ويقوم الناس بضربه بالحجارة واهانته “مات الملك .. عاش الملك”.

تكررت وجوه بعض الشخصيات السياسية في العراق منذ عام 2003 وحتى الانتخابات الأخيرة، رغم انتقاد الناس لهم بل حنقهم عليهم بسبب انتشار الفساد والفشل في ادارة الدولة، حتى وصل الكثير من العراقيين الى قناعة بلاجدوى العملية الانتخابية بمجملها واستحالة التغيير. وكان ذلك واضحا في نسبة المشاركة المتدنية في الانتخابات الاخيرة (43%). إلا ان نتائج الانتخابات كانت مفاجئة للكثيرين، حيث غابت الكثير من الوجه السياسية التي كانت تشبه المرض المزمن الملازم للمريض مدى الحياة، فما كان من المواطن البسيط الا ان يخرج محتفلا بـ(الهوسات) العراقية التقليدية فرحا بشفائه من رفقتهم المزمنة وسقوطهم المدوي أملا بمحاسبة الفاسدين منهم.

أكثر من 70% من النواب السابقين فشلوا في كسب ثقة الناخبين ولم يحصلوا على عدد اصوات كافية للحصول على مقعد في البرلمان، في مقدمتهم رئيس البرلمان التي ستنتهي ولايته سليم الجبوري ونائبه السياسي والقيادي الاسلامي المعروف همام حمودي، والنائبة المعروفة حنان الفتلاوي التي كان لها صوت رنان في جلسات البرلمان، ومثلها مشعان الجبوري، واسماء اخرى صاخبة في الجعجعة، طالما ردحت في البرلمان بالنفس الطائفي والانتمائي الضيق.

هذه التغييرات التي ربما يستبشر بها البعض خيراً، والتي عكست توجهات الناخبين وقدرتهم على التغير نحو الافضل، وامكانية فرض ارادته من خلال نبذ الطائفية والتطرف، ولكن بالمقابل فازت ذات الاحزاب والقوائم التي كانت تهيمن على البرلمان وتتحكم فيه، اضافة الى فوز بعض الشخصيات المعروف عنها بالتوجه الطائفي والتزمت في مواقفهم المتعصبة، وهذا ما يثير التساؤل لماذا خسر النواب وبقيت احزابهم؟ وكيف فازت شخصيات لا تختلف عن السابقين، وماهو معيار التغير الذي حدث في مزاج الناخب العراقي؟

 

استبدال المجربين بمثلهم

نسبة التغيير التي تجاوزت 70% في البرلمان، بحسب النتائج التي أعلنتها المفوضية يمكن تقسيمها الى شطرين، الاول نواب رفضت احزابهم اعادة ترشيحهم في الانتخابات، ومن ابرزهم نواب الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي قرر عدم اعادة ترشيح اي نائب سابق بقرار حاسم في خطوة لم يتبين السبب الحقيقي من وراءئها. هل كان القرار لقناعة الحزب بفشلهم وسوء ادارتهم لاستراتيجية الحزب؟ ام كان لتغيير المحرمات وفق استراتيجية جديدة لكسب الناخب، وهو السبب الأرجح، حيث اعتمد الحزب في اختيار مرشحيه الجدد على معيار العشائرية والوجاهة الاجتماعية. وبحكم رسوخها في المجتمع الكردي، فإن القدرات المالية والعشائرية تضمن الولاء للحزب طالما أن  للعشيرة من يمثلها. اما رجال الأعمال ومشاريعهم، فهو ارتبط مصلحي يضمن بقاء الطرفين مواليين لبعضهما البعض مثل زواج كاثوليكي بين المال والسلطة.

اما الشطر الثاني من التغيير الحاصل فهم نواب رشحوا أنفسهم ولم يحصلوا على اصوات كافية للبقاء في البرلمان، ابرزهم سليم الجبوري، حنان الفتلاوي، همام حمودي، علي العلاق ومشعان الجبوري. إن هذا يستدعي التساؤل حقاً. فاذا كان التغيير قد حدث نتيجة لغضب الناخبين بسبب الفشل والفساد خلال الدورات السابقة، كان من المفترض ان تتغير احزاب هؤلاء النواب التي بقيت في السلطة، خاصة اننا نعلم ان النواب يمثلون كتلهم وليس لهم اي قرار فردي داخل البرلمان ولا حتى حق التصريح للاعلام. اما اذا كان التغيير بسبب تبدل ارادة الناخب نحو نبذ الطائفية والتعصب التي كان يمثلها بعض النواب السابقين، فإن التساؤل يبرز بشكل آخر : لماذا فازت شخصيات معروفة بالتطرف والتعصب القومي الطائفي والذين وصل الحال ببعضهم الى الدعوة لابادة الموصل بعد اتهامه لأهلها بالدعشنة والارهاب؟

على الأرجح، فإن فتوى المرجعية الدينية “المجرب لايجرب”، التي طبقت بشكل حرفي في مناطق الوسط والجنوب الاعلى هي السبب الرئيس في التغيير الحاصل وخسارة النواب السابقين. وعلى ما يبدو فان الناخبين حزموا أمرهم ولم يختاروا أيا من المجربين. لكن الناخبين قصروا التغيير بموجب هذه الفتوى على الوجوه دون الاحزاب، مع ان تفسير فتوى المرجعية بشكل منطقي يوجب تغيير الاحزاب اولاً، وان لا يقتصر التغيير على الوجوه فقط.

حتى تغير الوجوه لم يشمل القادة من المجربين الكبار، فالكثير من قادة الكتل السابقة حصل على نسب عالية من التصويت، رغم شبهات الفساد عليهم واتهامات تسببهم بمشاكل طائفية في البلاد وعلى رأسهم نوري المالكي رئيس كتلة إئتلاف “دولة القانون” الذي طالما وجهت اصابع الاتهام له بالفساد والتسبب بسقوط ثلث العراق بيد تنظيم الدولة الاسلامية داعش في يونيو/حزيران 2014، الا انه حل بالمركز الاول بين النواب الحاصلين على أعلى نسبة من الاصوات، بما يقارب مئة الف صوت في انتخابات 2018.

كما أن الناخبين لم يستلهموا من فتوى المرجعية معايير في اختيار البدلاء، فالفتوى بمعناها العميق تحدد اسباباً واضحةً لعدم تجريب النواب والاحزاب التي اتسم أداؤها بالسوء والفشل في الدورات السابقة. بمعنى ان المقصود هو المجرب السيء لا يجرب بناء على فلسفة “لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين”، وهذا يعني في المقابل ان المجرب الجيد يمكن ان يستمر. فالمعيار ليس فقط انه كان قد مارس العمل البرلماني، انما مارسه بشكل سيء، ويعني أيضا عدم اختيار من تظهر فيهم صفات النواب الفاشلين الذين انطبقت عليهم الفتوى حتى لو لم يكونوا مجربين. وهذا بموجب القياس الذي يعني “تطبيق حكم واقعة ورد بها نص على واقعة لم يرد بها نص لتشابه العلة والسبب”، فسبب رفض السابقين هو فسادهم وفشلهم وتطرفهم، لذى من باب اولى عدم اختيار اشخاص جدد يتصفون بهذه الصفات.

هنا نرى ان الناخب الذي اعتمد على فتوى المرجعية، لم يفهمها بعمق انما اخذها بشكل سطحي ومجرد، حيث اختار اخرين يتصفون بذات الصفات التي حددتها المرجعية أساسا لرفض النواب مثل التطرف، وخلق الفتن وشبهات الفساد.

عند تحليل نتائج انتخابات 2018، وبغض النظر عن اسباب التغير الحاصل في مزاج الناخب العراقي، تبرز مجموعة من الحقائق، في مقدمتها بقاء دور المرجعية الدينية والطابع العشائري للمجتمع العراقي، والتصويت على اساس الانتماءات الطائفية، واختيار الاحزاب والتكتلات الكبيرة، كعوامل مؤثرة وفاعلة في الساحة السياسية العراقية. تضاف الى ذلك حقيقة اخرى واضحة تتمثل في يأس المواطن العراقي من امكانية التغيير والاصلاح بشكل سلمي، هذا ما كشفه تراجع نسبة المشاركة الى 44.5% بحسب مفوضية الانتخابات، او نحو 20% بحسب منظمات ومراقبين بعد ان كانت تتجاوز الـ55% في الانتخابات السابقة.

 

 

 

دلوفان برواري  محام وصحافي عراقي متخصص في الصحافة الاستقصائية وحائز على جوائز دولية واقليمية في مجال الصحافة. عمل في مؤسسات اعلامية دولية مثل واشنطن بوست وراديو NPR . يمكنكم متابعة دلوفان على فيسبوك: https://www.facebook.com/dlovan.barwari.3