تراجع مقاعد القوى الكردية يضعف دورها

الصورة: اخبار كردستان 24

تراجع مقاعد القوى الكردية يضعف دورها

سامان نوح

حصلت القوى الكردية مجتمعة، في الانتخابات البرلمانية العراقية التي جرت في 12 مايو/أيار  بحسب النتائج النهائية غير المصادق عليها التي أعلنتها المفوضية العليا للإنتخابات، على 58 مقعداً لتحتل المرتبة الثالثة بعد القوى الشيعية التي حصدت نحو 180 مقعداً، والقوى السنية التي حصدت نحو 65 مقعداً، من مجموع مقاعد البرلمان العراقي البالغ عددها 329 مقعداً.

وذهبت المقاعد الأخرى الى شخصيات مدنية وقوى جديدة غير محسوبة على القوى القومية والطائفية المعروفة، الى جانب المقاعد التسعة المخصصة للأقليات والمتمثلة بالمسيحيين (5 مقاعد) والايزيديين (مقعدان) والصابئة والكرد الفيليين ولكل منهما مقعد.

كانت حصيلة الحزب الديمقراطي الكردستاني من مجموع المقاعد الكردية 25 مقعداً، وحصة الاتحاد الوطني الكردستاني 18 مقعداً، بينما حصلت “حركة التغيير” على خمسة مقاعد فيما حصلت القوى الكردية الاخرى مجتمعة على 10 مقاعد. ووفق التوزيع التالي:

الحزب الديموقراطي الكردستاني: 25 مقعداً. [19 مقعد في اقليم كردستان – 6 مقاعد في نينوى من بينها مقعدين لنواب عرب].

حزب الاتحاد الوطني الكردستاني: 18 مقعدا. [10 مقاعد في الاقليم – 6 مقاعد في كركوك – 1 مقعد في نينوى – مقعد في ديالى].

حركة التغيير: 5 مقاعد.

الاتحاد الاسلامي: 2 مقعدين.

الجماعة الإسلامية: 2 مقعدين.

الجيل الجديد: 4 مقاعد.

التحالف من أجل الديموقراطية والعدالة: 2 مقعدين.

وتشير تلك الأرقام عموماً الى تراجع مقاعد القوى الكردية في البرلمان الاتحادي من 63 مقعداً الى 58 مقعداً، وهو ما قد يهدد بتراجع دورها وتأثيرها السياسي على صناعة القرارات وقبلها تشكيل الحكومة، بعد ان كانت طوال ثلاث دورات توصف بانها بيضة القبان في تشكيل التحالفات التي تحدد شكل الحكومة بل كانت توصف بصانعة الملوك لتأثيرها القوي على اختيار رئيس الوزراء وهو المنصب الذي يسيطر صاحبه على معظم مفاصل السلطة في البلاد.

لا يتعلق التراجع المحتمل لتأثير القوى الكردية الى خسارة بعض المقاعد (5 مقاعد) مقارنة بالبرلمان الذي سبقه، بل ايضا الى تزايد خلافات وانقسامات كتلهم. فخمس قوى كردية فائزة في الانتخابات رفضت الاعتراف بنتائجها وأكدت ان عمليات تلاعب كبيرة حصلت في محافظات اقليم كردستان الى جانب كركوك ادت الى خسارتها لعدد كبير من المقاعد لصالح الحزبين الحاكمين في الاقليم.

وذكر مسؤولون في كل من حركة التغيير، والاتحاد الاسلامي، والجماعة الاسلامية، والتحالف من اجل الديمقراطية والعدالة، والجيل الجديد، ان عمليات “التلاعب” بالأصوات كانت الأكبر التي يشهدها الاقليم مقارنة بأية انتخابات سابقة، وانها ترفض النتائج وترفض التعامل مع القوى الكردية الأخرى التي احتفلت بفوزها. وهددت القوى الخمس بمقاطعة العملية السياسية في العراق في حال لم تتم معالجة “التلاعب” الحاصل ولم تتخذ الاجراءات الكفيلة بالتحقق من صحة النتائج.

ويشير مسؤولو القوى الخمس الرافضة لنتائج الانتخابات الى حصول خرق لبرمجة الصناديق الانتخابية مكنت القوى المتنفذة من احتساب اصوات كبيرة لنفسها غير موجودة في الصناديق، بل والى تمكين مرشحين محددين من كل حزب بالفوز بالانتخابات ما أثار امتعاض واستغرب حتى باقي المرشحين من ذات القوائم.

ويورد مسؤولو تلك الاحزاب، الكثير من ما يعتبرونه اثباتات على حصول عملية خرق لبرمجة الصناديق بشكل يظهر نتائج الأصوات مخالفة لما موجود في الصناديق، مشيرين الى ان ذلك حدث في مجمل مناطق السليمانية وكركوك لصالح حزب محدد. ففي بعض المحطات صوت مرشح لنفسه وصوتت عائلته له مع عدد من اصدقائه في محطة واحدة اظهرت نتائج تلك المحطات ان اصواته صفر.  وفي التصويت الخاص بقوات الأمن في كركوك، وهم في غالبيتهم من جنوب البلاد، أظهرت النتائج التي كانت تصدرها الصناديق فوز حزب كردي بعدد كبير من الاصوات في حين ان المصوتين أساساً يصوتون لقوائم في محافظاتهم الجنوبية.

كما ثبت حصول خروقات كبيرة وحالات تزوير واضحة في انتخابات الخارج وفي انتخابات النازحين بالمحافظات السنية (نينوى، الانبار وصلاح الدين)، ما دفع المفوضية الى الغاء اصوات عشرات المحطات، قبل ان يقرر البرلمان، من خلال قرار اصدره، الغاء كل نتائج التصويت في الخارج بعد توالي الاثباتات على حصول عمليات بيع لأصوات تلك المحطات من قبل مسؤوليها لاحزاب محددة بحسب نواب ومسؤولين سياسيين.

ووفق النتائج المعلنة، لن يكون هناك أي تمثيل برلماني للكرد المسلمين والايزيديين في مناطق غرب دجلة التي تضم سنجار وزمار والتي يقدر عدد نفوسها بنحو 300 الف انسان، وهذا ما يحدث لأول مرة، رغم ان اصوات ناخبي تلك المناطق تساهم عادة وبقوة في صعود ثلاثة الى اربعة نواب، وهو أمر اثار استغراب مرشحي تلك المناطق التي كانت قد تعرضت لعمليات ابادة واسعة من قبل تنظيم “داعش”.

ولم تقتصر عمليات تبادل الاتهامات بالتزوير على القوى الكردية الخاسرة فحسب، بل ان الحزب الديمقراطي الكردستاني (25 مقعدا) والاتحاد الوطني الكردستاني (18)، تبادلا ايضا الاتهامات بالتزوير كل في مناطق نفوذه، واصدرا بيانات مضادة ومشككة بالنتائج. لكنهما سارعا كل على حدة بالتوجه الى بغداد لبحث تشكيل تحالفات مع القوى الشيعية والسنية الفائزة بأكبر عدد من المقاعد لتكون جزءاً من الحكومة المقبلة. واعلنا لاحقا عن مناقشات لتوحيد جهودهما وقواهما في بغداد من اجل توحيد الصف الكردي هناك.

 

عين على الحكومة والرئاسة

ورغم ان الحزبين الكبيرين كانا قد تبادلا اتهامات التزوير بعد الانتخابات، والخيانة وتسليم كركوك وسنجار وكامل المناطق المتنازع عليها الى السلطة الاتحادية قبل الانتخابات، الا انهما أبديا إعلاميا استعدادهما المبدأي لتوحيد جهودهما، في حين بديا على الأرض يتحركان منفردين كل على حدة ليكونا جزء من تشكيل الحكومة. وقد اجرى الحزبان اجتماعات مع قائمة الفتح بزعامة هادي العامري، وقائمة دولة القانون بزعامة نوري المالكي، والتي ظل اعلام الحزبين يصفهما بعدو الكرد وان “مليشياتهم” احتلت المناطق المتنازع عليها بدعم ايراني، وان قادتهم قطعوا رواتب موظفي الإقليم وحاصروه اقتصاديا منذ 2014 .

وترى مصادر عراقية ان تحالف الحزبين الكرديين الكبيرين مع قائمة الفتح (العامري) وقائمة دولة القانون (المالكي) أقرب الى الواقع من تحالفهما مع قائمة سائرون (الصدر) وقائمة النصر (العبادي) كون الحزبين يرتبطان بعلاقات قوية سابقة مع العامري والمالكي وعملا لسنوات معاً، وبالطبع لقرب القائمتين من ايران التي تحتفظ بعلاقات قوية مع الحزبين الكرديين خاصة الاتحاد الوطني.

ويتنافس الحزبان للفوز بمنصب رئيس الجمهورية الذي جرت العادة ان يكون من حصة الكرد، وكان يشغله في الدورات الثلاث الماضية ممثل للاتحاد الوطني الكردستاني (جلال الطالباني اولاً  لدورتين ثم فؤاد معصوم لدورة واحدة). ويصر الاتحاد ان المنصب من حصته، لكن الديمقراطي الكردستاني يرى ان الاتفاقات السابقة لم تعد قائمة وان من حقه كونه يملك مقاعد أكبر ان يحصل على المنصب.

وفيما يواصل الحزبان الكرديان الحاكمان في الاقليم مفاوضاتهما في بغداد للفوز بجزء من مناصب الحكومة، فان اربع قوى كردية رفضت المشاركة في الحوارات. وقال القيادي في حركة التغيير أمين بكر، أن الحركة لن تشارك في المفاوضات التي ستجريها قوى كردية في بغداد مع القوى العراقية الرئيسية الفائزة بالانتخابات، وانها تنتظر نتائج طعونها بالعملية الانتخابية، ومازال خيار مقاطعة البرلمان العراقي مطروحا بقوة.

واضاف “مهمتنا الاساسية في الوقت الحاضر هي فتح تحقيق يضمن اعادة فرز الاصوات يدوياً، لكي يحصل كل طرف او كل كيان على أصواته الحقيقية، ومن ثم نقوم ببحث مسألة تشكيل الحكومة والمفاوضات والتحالفات”.

لكن بعضا من  الكتاب  الكرد المقربين من احزاب المعارضة  مثل حركة التغيير والجماعة الاسلامية، كانوا أكثر وضوحا في مواقفهم بشأن مطالب توحيد قواهم في بغداد، قالين: “الأمر يثير الدهشة، الحزبان يتحدثان عن أهمية وحدة الصف الكردي في بغداد، بعد ان سرقا اصواتنا جهاراً، كيف يمكن ان نوحد مواقفنا بعد ما جرى؟”.

 

مليشيا للدفاع عن اصوات الناخبين؟

لم يتوقف الأمر عند رفض تشكيل تحالف كردي موسع في بغداد للتفاوض على مطالب الكرد وفرض شروطهم في تشكيل الحكومة العراقية المقبلة، بل أن حركة التغيير  لوحت بتأسيس ميليشيات مسلحة للدفاع عن اصوات الناخبين و”حماية” الديمقراطية التي يحاول الحزبان “قتلها عبر عمليات التزوير والتلاعب”.

وأثار قادة بارزون في الحركة قضية تشكيل جناح عسكري أسماه نواب وقياديون بـ “قوة حماية الديمقراطية”، بحجة منع تكرار حوادث إغلاق برلمان كردستان والتلاعب بنتائج الانتخابات. وذكرت مصادر بحركة التغيير أن 10 آلاف متطوع أبدوا استعدادهم للانخراط  في تلك القوة، فيما دعا آخرون الجماعة الاسلامية والحركة الإسلامية، لإعادة تشكيل مكاتبها العسكرية “الجهادية” لحماية أنفسهم.

ويناقش قادة القوى الأربع الرئيسية المعارضة للحزبين الكبيرين، امكانية تشكيل تحالف موسع بينها ليس لاستعادة “اصواتها الضائعة” في الانتخابات العراقية والتي يبدو انها مقتنعة انها لن ترجع رغم استمرار جهودها السياسية والقضائية، بل من اجل الدخول بقوة واحدة في انتخابات البرلمان الكردستاني ذات الاهمية الكبيرة والتي ستنظم في نهاية ايلول المقبل، في محاولة لاسترداد قوتها ومنع “محاولات التلاعب” بالنتائج.

 

 

 

سامان نوح كاتب وصحافي عراقي يرأس الشبكة العراقية للصحافة الاستقصائية (نيريج) ومسؤول قسم التحقيقات في صحيفة “صباح كوردستان” الاسبوعية التي تصدر عن شبكة الإعلام العراقي. يمكنكم متابعته على فيسبوك: https://www.facebook.com/samaannoohh