على بريطانيا ان تتحمل مسؤوليتها عن المحرقة الفلسطينية

photo: Gulf News

على بريطانيا ان تتحمل مسؤوليتها عن المحرقة الفلسطينية

محمد فاضل العبيدلي*

 في 5 ابريل من العام 2011، كان لرئيس وزراء بريطانيا السابق ديفيد كاميرون تصريح فريد من نوعه للساسة الانجليز عندما قال اثناء زيارته لباكستان: “ان بريطانيا مسؤولة عن عقود من التوتر وعدة حروب حول اقليم كشمير والعديد من الصراعات في العالم”. لقد كان كاميرون يرد على سؤال حول الكيفية التي يمكن ان تساعد فيها بريطانيا في حل النزاع حول كشمير.

وفي زيارته للهند في فبراير من العام 2013، زار كاميرون مقاطعة امر يتسار بإقليم البنجاب ووضع اكليلا من الزهور على نصب تذكاري لضحايا مذبحة “جالينوالا باغ” التي ارتكبها الجيش البريطاني عام 1919 وكتب في سجل الزوار ان المذبحة كانت “مخزية”. لكنه لم يقدم اعتذاراً عن هذه المذبحة التي وصفها المهاتما غاندي وقتها بأنها قد هزت اركان الامبراطورية”.

في الحقيقة، فان تصريح كاميرون في باكستان حول المسؤولية عن صراع كشمير وصراعات اخرى حول العالم يحتاج توضيحاً صغيراً. فبريطانيا مسؤولة عن حوالي  96 صراعاً حول العالم بعضها يعتبر من أسوأ الصراعات وأكثرها دموية. ونظرا لكثرة هذه الصراعات، درج بضع المؤرخين وبعض وسائل الاعلام من حين لآخر على اختيار قائمة قصيرة (تماما على غرار ما يجري في جوائز البوكر الادبية) لهذه الصراعات التي تتحمل بريطانيا مسؤوليتها بعناوين من شاكلة “اسوأ 10 نزعات تسببت بها بريطانيا”.

لم يمر تصريح كاميرون في حينه مرور الكرام لدى النخبة السياسية البريطانية، حيث أجمعت بعض ردود الفعل تجاه ما اعتبروه اعتذارا عن الماضي الاستعماري بأنه “خطأ” حسب ديزي كوبر مديروحدة الدراسات السياسية في الكومونولث وما بين اعتبارها نوعاً من “السذاجة” مثلما وصفها النائب العمالي والمؤرخ تريسترام هانت.

وحسب صحيفة تليغراف البريطانية (5 ابريل 2011)، فان “استعداد كاميرون الواضح لقبول المسؤولية التاريخية عن نزاع كشمير له صدى للاعتذارات العلنية التي اصدرها أسلافه في رئاسة مجلس الوزراء”.  ففي عام 1997، اعتذر توني بلير للشعب الايرلندي عن المجاعة التي عانت منها البلاد في منتصف القرن التاسع عشر. وفي عام 2006، تحدث عن “حزنه العميق” لدور بريطانيا التاريخي في تجارة الرقيق الأفريقية حسب الصحيفة. وفي عام 2009، أصدرجوردن براون اعتذاراً حكومياً رسمياً لعشرات الآلاف من الأطفال البريطانيين الذين تم شحنهم إلى أستراليا ودول الكومنولث الأخرى بين العشرينات والستينات.

وفي العدد نفسهمن صحيفة التليغراف، قال شين جاب عضو التحالف الليبيرتاري “صحيح تاريخيا ان بعض المشاكل تنبع من السياسة الخارجية البريطانية في القرنين 19 و 20، ولكن هل يتعين أن نشعر بالذنب إزاء ذلك، أنا لا أرى لماذا ينبغي لنا ان نعتذر”. وبرر جاب ذلك بالقول بعض هذه المشاكل جاءت لأن هذه الدول قررت أنها لا تريد أن تكون جزءا من الإمبراطورية البريطانية. أرادوا الاستقلال. وحصلوا عليه، يجب  عليهم حل مشاكلهم بدلا من النظر إلينا”.

اذا كانت النخبة السياسية البريطانية تداخلها الرغبة في مراجعة الجانب المظلم في الماضي الاستعماري لبريطانيا، فمن الواضح ان على ضحايا هذا الجانب المظلم الانتظام في صف طويل انتظاراً لاعتذار او نصف اعتذار او ايماءة صغيرة. ومن الواضح ان الشعب الفلسطيني سيكون في آخر القائمة، ولربما خارجها.

فالسيدة تيريزا ماي وجهت دعوة لرئيس وزراء اسرائيل بنيامين نتنياهو لزيارة لندن لحضورفعاليات بمناسبة الذكرى المئوية لوعد بلفور، فيما اعلن بيان رسمي لحكومتها ان “المملكة المتحدة ترفض الاعتذار للفلسطينيين عن اعلان بلفور” وان الحكومة “فخورة بدورنا في خلق اسرائيل” حسب ما نشرته صحيفة “الاندبندنت” في 26 ابريل الماضي.

وأضاف البيان بإصرار”ان اعلان بلفورهوبيان تاريخي لاتعتزم حكومة جلالتها [الملكة] الاعتذارعنه.. نحن فخورون بدورنا في خلق دولة إسرائيل. والمهمة الان هي تشجيع التحرك نحو السلام”.

سنتوقف امام نقطتين هنا في بيان حكومة تيريزا ماي المفعم بالعواطف غير المعهودة في الساسة الانجليز، وهما الشعور بالفخر في خلق  اسرائيل والثاني تشجيع التحرك نحو السلام. قد يكون تعليق  روبرت فيسك في 2 مارس الماضي في “الاندبندنت” هو الأنسب لتبيان المضمون الحقيقي لوعد بلفور حيث يقول “إن الكذبة الضمنية لإعلان بلفور،  أنه في حين أن بريطانيا تدعم وطن يهوديا، لن يتم القيام بأي شيء “يمكن أن يضر بالحقوق المدنية والدينية للطوائف غير اليهودية الموجودة في فلسطين”. وابسط ما يمكن ان يقال هنا هو ان الخبث الاستعماري البريطاني النموذجي واضح وجلي في الاشارة الصريحة الى الوطن القومي لليهود في فلسطيني والاشارة المواربة للفلسطينيين اصحاب الارض الاصليين على انهم “طوائف غير يهودية موجودة في فلسطين”.

لدى فيسك المزيد حول نفاق الساسة الانجليز حيث يضيف بأن بوريس جونسون وزير الخارجية الحالي كتب بدقة قبل عامين أن إعلان بلفور كان “غريبا”، وهو وثيقة “غير متماسكة بشكل مأساوي”، لكن في زيارة لاحقة الى اسرائيل، “اكتشف عمدة لندن فجأة ان اعلان بلفور كان [“شيئا عظيما”] يعكس [“تياراً عظيماً من التاريخ”]..

اما سبب شعور تيريزا ماي بالفخر لدور بريطانيا في انشاء اسرائيل ورفضها الاعتذار للفلسطينيين، فهو يعود حسب فيسك الى ان ماي “تحتاج اسرائيل اكثر مما تحتاج الفلسطينيين”. انها  نفس الحاجة لأصوات اكثر من مليون ناخب بريطاني من أصل هندي ما دفع السيد كاميرون لإطلاق تصريحه ذاك حول مذبحة أمريتسار في الهند قبل قليل من انتخابات العام 2013.

ان انصاف الاعتذارات التي اعلنها كاميرون لا تشمل جميع ضحايا الامبراطورية بل انه أمر تقرره المصلحة والحاجة فقط، لهذا فهو لم ينطق بحرف مثلا (كما كامل الطبقة السياسية البريطانية) عن المأساة التي تسبب بها اعلان بلفور للشعب الفلسطيني، بل على العكس وصل انحيازه لإسرائيل الى حد الاقدام على انتهاك حريات راسخة مثل حرية التعبير. ففي 15 فبراير من العام الماضي 2016، اصدرت حكومته (من دون الرجوع للبرلمان) مذكرة  موجهة لجميع الوزارات والمؤسسات الحكومية تجرم مقاطعة البضائع والسلع الاسرائيلية وتفرض عقوبات قاسية لمقاطعة السلع الاسرائيلية على أسس اخلاقية، وهي مذكرة وصفها كثيرون بأنها “اعتداء فادح على الحريات الديموقراطية؟”.

لقد كتب ريتشارد غوت في صحيفة “ذي غارديان” في يوليو 2006 تحت عنوان “القصة الوحشية للإمبراطورية البريطانية مستمرة حتى يومنا هذا”، ان “الإرث الاستعماري الامبراطوري [البريطاني] الكارثي لا يزال مرئيا وشاخصاً بوضوح”  ويتساءل “إذاكانت بريطانيا قد حققت نجاحا كبيرا في مستعمراتها، فلماذا أصحبت الكثير من مستعمراتها مركزا للفوضى غير المقدسة ومصدرا رئيسياً  للعنف والقلاقل؟”.

لقد حدد غوت فلسطين على رأس قائمة هذه الصراعات التي تسببت بها بريطانيا، لكن من الواضح أن الخبث الاستعماري البريطاني النموذجي مازال مستمراً حتى اليوم، وعلى ما يبدو فان الساسة الانجليز مازالوا ملتزمين في الصميم بما أعلنه بلفور تبريرا لإعلانه المخزي ذاك عندما قال ان “مجرد رغبات 700.000 الف عربي فلسطيني لا أهمية لها بالمقارنة مع مصير حركة استعمارية أوروبية [الصهيونية]في جوهرها”.

 

رابط المقال الأصلي في Gulf News: http://gulfnews.com/opinion/thinkers/balfour-britain-must-own-up-to-responsibility-for-the-palestinian-holocaust-1.2117721