أرييل شارون: ميراث السايكوباثي

الصورة: شارون برأس معصوب بالشاش في حرب 1973. المصدر: GPO/REX (568127b)

أرييل شارون: ميراث السايكوباثي

محمد فاضل العبيدلي*

في صورة للنفاق السياسي والدبلوماسي، اشاد معظم القادة الغربيين برئيس الوزراء الاسرائيلي الراحل ارئيل شارون خصوصا ما اسموه تحولاته من مقاتل شرس من اجل اسرائيل الى رجل اتخذ مبادرات من اجل صنع السلام مع الفلسطينيين.

فصديقه الرئيس الاسرائيلي شمعون بيرس وصفه بانه “قائد عسكري شجاع”، في حين وصف وزير الخارجية السويدي كارل بيلد شارون في تغريدة له بأنه “كان قائدا اسرائيليا عظيماً، وقائدا عسكريا متميزاً، لكنه ايضا رجل دولة حكيم ادرك أهمية السلام”. وبينما تم تسويق شارون منذ زمن باعتباره “بطلاً” عسكرياً، فان غالبية الصحف الغربية لم تستطع ان تتجاهل تذكير قرائها بمسؤوليته عن مجزرة “صبرا وشاتيلا” التي اعقبت غزو لبنان عام 1982. أما صحيفة “جيروزاليم بوست” الاسرائيلية، فتذكر في 12 يناير الماضي “ان اعماله الطائشة جلبت له مزيجاً من التبجيل والنقد خصوصا من رئيس الوزراء ديفيد بن غوريون”.

في الحقيقة، فان “الاعمال الطائشة” التي تشير اليها “جيروزاليم بوست” ليست سوى تعبير ملطف لسجل شارون العسكري، لأنه مثل غالبية الاسرائيليين لديه تعريف واحد للنصر هو: “كثرة اعداد ضحاياه”. على هذا النحو ارتبط اسم شارون دوماً بالمجازر والقتل الجماعي. ففي عام 1948، بدأ حياته العسكرية بمجزرة ارتكبها في مدينة “اللد” راح ضحيتها 426 مدنيا فلسطينيا حشرهم في احد المساجد. وفي العام 1953، كان برتبة رائد ويرأس وحدة ارهاب في الجيش الاسرائيلي اسميت “الوحدة 101” ودبر مجزرة أخرى في قرية “قبية” في الضفة الغربية راح ضحيتها 170 من سكان تلك القرية. لم يكن ذلك خطأ او نتيجة تصرف “طائش” بل كان تنفيذاً حرفياً لأمر عسكري رقم  (207/56/644) في ارشيف الجيش الاسرائيلي نص على التالي: “تنفيذ ضربات وهدم المنازل والحاق اضرار قصوى في الارواح لدفع القرويين الى الفرار من منازلهم”.

لقد أتهم شارون على نطاق واسع بتعذيب وقتل الأسرى المصريين في حرب الايام الستة عام 1967، وفي حرب اكتوبر عام 1973، تم اسباغ مزيد من البطولة عليه اعلامياً بعد اجتيازه الخطوط المصرية في حادثة الثغرة الشهيرة. لكن الثغرة ليست دليل براعة او شجاعة من اي نوع لشارون، فالاميركيون رصدوا الثغرة بين الجيشين الثاني والثالث المصريين عن طريق طائرات التجسس ومرروا  المعلومات للاسرائيليين.  وعندما عبر شارون بقواته الى الضفة الغربية للقناة خلف الخطوط المصرية واقام جسرا بين الضفتين، طلبت قيادة الجيش المصري من الفرقة “39 قتال” من قوات الصاعقة المصرية بقيادة العميد اركان حرب الشهيد ابراهيم الرفاعي الالتحام مع قوات شارون وتدمير الجسر ومنعها من التقدم اكثر على الارض المصرية. دمر الجنود المصريون الجسر فعلاً، وأمام ضراوة القتال مع جنود الفرقة 39، قام شارون بلف رأسه بالشاش وإدعى الاصابة وغادر ميدان المعركة في هليكوبتر، وهو التصرف الذي حدا بقائد الجبهة الجنوبية الجنرال شموئيل جونين (1930-1991) الى طلب تقديم شارون لمحاكمة عسكرية بتهمة الهروب من أرض المعركة. لكن الجنرال جونين كان قد تعرض لمساءلة عسيرة من قيادة الجيش الاسرائيلي حيث تم توجيه اللوم له على قصور استعداداته في مواجهة الهجوم المصري واحتوائه فأعفي من الخدمة وتم استبداله بالجنرال حاييم بارليف في 10 اكتوبر، ومعه ضاعت قصة هروب شارون.

لم يبرهن شارون على أي قدرات عسكرية استثنائية بعيداً عن عقليته السايكوباثية فمع قوات مسلحة حتى الاسنان، كان حريصا على احصاء قتلاه فحسب، وهو ما برهن عليه في غزو لبنان عام 1982 عندما كان وزيرا للدفاع في حكومة مناحيم بيغن.

فعندما كانت القوات الاسرائيلية تتقدم نحو العاصمة بيروت من جهة المطار، قام القائد العسكري الفلسطيني سعد صايل (ابوالوليد) بنصب كمين بارع للاسرائيليين عندما دفع ببضع دبابات روسية قديمة من ايام الحرب العالمية الثانية من طراز (تي 34) في مواجهة كتائب من الدبابات الاسرائيلية المتقدمة.  دمر الاسرائيليون الدبابات الفلسطينية بسهولة وعندما ولت الباقيات الادبار لحق الاسرائيليون بها لتدميرها.  وعندما وصلت الدبابات الاسرائيلية الى ساحة خلدة المكشوفة أيقنوا انهم وقعوا في كمين محكم عندما انبثق عشرات من المقاتلين الفلسطينيين من حملة قواذف “الآر بي جي” المضادة للدروع واخرين يحملون الرشاشات الثقيلة، وفي دقائق تناثرت عشرات من الدبابات الاسرائيلية في الهواء قتل وجرح عشرات من الجنود الاسرائيليين. أما رد فعل شارون فقد كان بسيطاً من نوع عقليته: قصف بيروت الغربية التي لا تزيد مساحتها عن 25 كلم مربع والمكتظة بالسكان بحوالي 180 ألف قذيفة وصاروخ من البر والبحر والجو في يوم واحد فقط.

وعلى الرغم من آلاف الضحايا من المدنيين، لم يقف هوس شارون عند هذا الحد بل راح واشرف على مجزرة مخيمي صبرا وشاتيلا للاجئين الفلسطينيين التي عهد بها الى مليشيات حزب الكتائب المسيحية المتحالفة معه وقتذاك. انها نفس القصة في اجتياح مدينة جنين عام 2002، عندما توج شارون ذلك الاجتياح بمجزرة في مخيم جنين راح ضحيتها 500 من المدنيين الفلسطينيين.

مع سجل مثل هذا، يصعب القول ان شارون قد شهد تحولات عميقة في رؤيته، فقد بقي نموذجاً حياً للسايكوباثي مثله مثل الجمهور الذي انتخبه وكان مستعداً لإعادة انتخابه كما تخبرنا صحيفة “جيروزاليم بوست” في 12 يناير في مقالها المعنون “ميراث شارون”.

ان هذا الميراث الذي تدعو الصحيفة الى البناء عليه بانسحاب آخر من الضفة الغربية يجسد تاريخ اسرائيل في حياة ارييل شارون. فالصحيفة مثل بقية الاسرائيليين لا تدعوا لانسحاب مثل هذا مدفوعة بدواعي العدالة مثلا لكنهم يبحثون عن ذرائع مثلما تشرحها الصحيفة جيدا: “الاسباب الداعية لانسحاب أحادي الجانب بسيطة، للإبقاء على غالبية يهودية قوية ومنع نشوء دولة ثنائية القومية بين البحر المتوسط ونهر الاردن. إن على اسرائيل أن تتخلى عن سيطرتها على الضفة الغربية خصوصاً في التجمعات ذات الكثافة السكانية العالية من الفلسطينيين”. هكذا يتضح الأمر، لقد مات شارون لكن ميراثه مازال حياً.

مترجماً عن غلف نيوز – 27 يناير 2014

رابط المقال الاصلي الانجليزي: http://gulfnews.com/opinion/thinkers/ariel-sharon-the-legacy-of-a-psychopath-1.1282487