هل اميركا مهتمة فعلا بالديموقراطية في العالم العربي؟

الصورة: دانة شمس - غلف نيوز

هل اميركا مهتمة فعلا بالديموقراطية في العالم العربي؟

محمد فاضل العبيدلي

في الماضي، عاش العرب شكلاً من أشكال الديمقراطية الغربية، التي صممت خصيصًا وفرضت من قبل محتلين أجانب خلال الحقبة الاستعمارية. ففي مصر والعراق وسورية ولبنان، إعتاد الناخبون في فترة ما بعد الحرب العالمية الأولى، الإدلاء بأصواتهم التي كان من المفترض أن تحدد الحزب الذي سيشكل الحكومة. فبالإضافة إلى صحافة ناقدة كان يقودها مثقفون وإصلاحيون وحركة تحديث واتساع التعليم، كان المشهد شبه حقيقي: “ديمقراطية فعالة تعمل”.

لكن هذا المشهد كان مضللاً، حيث كان لتلك الديمقراطية خط أحمر لم ولا يتعين ان تجاوزه: “المطالبة بالاستقلال”.
فمع وجود المحتلين الأجانب، لم يكن اللاعب الحقيقي الذي يحدد آفاق هذه الديمقراطية حكومات منتخبة أو برلمان منتخب، يمثل إرادة الشعب، بل كان الوكيل السياسي الاستعماري هو الذي يرسم حدود الديمقراطية في تلك البلدان.
ماذا أثمرت تلك الديمقراطية؟ نحن نعرف الإجابة الآن، فلم تكن ديمقراطية حقيقية، بل كانت ديمقراطية محدودة ومشروطة، لأنه لم يكن من المفترض أن تتعارض مع المصالح العليا للمحتل سواء أكان النفط أو الجغرافيا السياسية. وعليه، إذا كان هذا النوع من الديمقراطية مخططًا للتطور تدريجيًا، فمن المؤكد أنه لم يكن من الممكن أن يكون تطورها طبيعيًا. كانت المصالح العليا للقوى الاستعمارية توضع دائماً فوق الديمقراطية بطريقة فظة للغاية. فلقد بلغ تدخل الوكلاء والمندوبين السياسيين للمحتلين مستويات غير معهودة في التاريخ، سواء في التلاعب بالبرلمانات المحلية لفرض اتفاقيات غير عادلة أو عندما يتعلق الأمر بقضايا النفط أو القواعد العسكرية أو التنازلات الاقتصادية والتجارية. إذن ما هي النتيجة النهائية لديمقراطية المحتل هذه؟ لا شيء، باستثناء ظهور النزعات الاستبدادية.

لا عجب أن تلك الدول حكمها بعد ذلك قادة عسكريون كانوا يتمتعون بدعم شعبي كاسح، ووصلوا إلى السلطة في سلسلة من الانقلابات العسكرية – في العراق من 1937 وحتى وقتنا الراهن في دول مثل العراق وسورية ومصر.
وحتى وقت قريب، لم تكن الديمقراطية على أجندة السياسة الخارجية للولايات المتحدة. ولقد تراوح المشهد السياسي في الدول العربية بين الانقلابات العسكرية وفترات قصيرة من الحكم المدني. خلال هذه الفترة، كان مبدأ عدم التدخل سائداً على تعزيز الديمقراطية في السياسة الخارجية الأمريكية.
لكن هذا التفسير يبدو ساذجاً لأن العديد من الانقلابات العسكرية التي وقعت في بعض الدول العربية لم تكن سوى نتيجة لصراع بين القوى الاستعمارية القديمة مثل بريطانيا وفرنسا، وقوى جديدة، مثل الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي السابق.
كانت الفترة التي نجحت فيها السياسة الأمريكية في التعايش مع الأنظمة غير الديمقراطية. وأيا كان الدافع سواء متطلبات الحرب الباردة أو السعي للهيمنة على النفط ومصالح أخرى، فإن الديمقراطية في المنطقة العربية لم تكن أولوية بالنسبة للولايات المتحدة.
بعد هجمات 11 سبتمبر ، بدا أن المسؤولين الأمريكيين استيقظوا بعد غيبوبة طويلة ليكتشفوا أن الدول العربية بحاجة إلى الديمقراطية، لكن من وجهة نظر أميركا الخاصة: “هجمات 11 سبتمبر لم تكن لتحدث لو كانت هناك ديمقراطية في العالم العربي”.
بعد 11 سبتمبر، أصبحت الديمقراطية الموضوع الوحيد في السياسة الخارجية الأمريكية في المنطقة العربية لفترة من الزمن، والتي كانت تهيمن عليها ضغوط بلا توقف ومبادرات لا نهاية لها تحت مظاهر جديدة، حيث لم يعد هناك وكيل سياسي لفرض إرادة واشنطن باستثناء ما قد يقترحه نموذج بول بريمر في عراق ما بعد صدام حسين والبعث.
ومع ذلك، فإن هذا الارتباط الانتهازي لغياب الديمقراطية في العالم العربي مع هجمات سبتمبر – أكبر الهجمات وأكثرها تدميراً منذ بيرل هاربور – ألقى شكوكًا على مصداقية النهج الأمريكي الجديد. لقد فشل هذا الاختبار في أول انتخابات ديمقراطية شفافة جرت في فلسطين عام 2006، والتي فازت بها حركة “حماس”.
ماذا كان رد فعل الولايات المتحدة والدول الغربية؟ الفلسطينيون الذين صدقوا الولايات المتحدة وأدلوا بأصواتهم عوقبوا في أكبر حملة إهانة، بذريعة أن حماس كانت جماعة “إرهابية”، هنا لم تكن الديمقراطية هي القضية، بل مصلحة إسرائيل.
هذا يعني بوضوح أن الديمقراطية العربية مشروطة بالنسبة للولايات المتحدة بقبول التعايش مع إسرائيل كقوة محتلة.
هناك سوابق تاريخية في أمريكا اللاتينية. على سبيل المثال، عندما شكل الرئيس الشيلي اليساري السابق سلفادور أليندي حكومته المنتخبة في عام 1970، دعمت الولايات المتحدة انقلابا عسكريا قام به الجنرال أوغستو بينوشيه في 11 سبتمبر 1973.
أدى هذا إلى إنشاء نظام وحشي حكم حتى عام 1990. وهذا يعني أن الولايات المتحدة تحتضن سياسة لم تتغير لا تفرق بين اليساريين والإسلاميين.
لا علاقة لسياسة الولايات المتحدة الخارجية بأيديولوجية، لأنها تهتم فقط بالديمقراطية التي تريدها. تريد الولايات المتحدة فرض “ديمقراطية مفصلة ومروضة” في المنطقة العربية، من أجل حماية مصالحها الخاصة.
لن يتغير موقف الولايات المتحدة والغرب أبداً، ولن تعدم الشواهد التي تدعم هذا التأكيد.
ففي القرن التاسع عشر، قامت قوى استعمارية غربية بسحق حركة إصلاحية عربية (كان من بين مطالبها للمفارقة تطوير مناهج التعليمي) انطلقت منذ منتصف خمسينات القرن التاسع عشر إبان الحكم العثماني، لمجرد أن مطالبها قد أثرت على مصالح هذه القوى عندما كان الصراع من أجل الاستقلال محتدماً.
وبالمثل، تحدثت الولايات المتحدة منذ عام 2001 عن الإصلاحات، التي كانت مطلباً من مطالب النخبة المثقفة العربية منذ الثمانينات على الأقل.
ومع ذلك، ومع سعي الولايات المتحدة إلى إرساء الديمقراطية في العالم العربي، أصبح الإصلاح أقرب للخيانة. ملمح اخر للتناقض: في ثلاثينيات واربعينيات القرن العشرين، كانت القوى الاجتماعية التي كانت تشارك في تعميم ونشر الديمقراطية على النمط الغربي توصم بالخيانة أيضاً.
ماذا يعني هذا؟ في المقام الأول، لم تتح الفرصة للديمقراطية أبداً للتطور بشكل طبيعي في الدول العربية. في المقابل، تمت إعاقة الديمقراطية من خلال مقاومة النخب الحاكمة للتغيير، وكذلك من خلال التدخل الأجنبي الذي يؤدي دائمًا إلى نتائج عكسية.
غالباً ما يضر التدخل الأجنبي بالديموقراطية في العالم العربي لأنه يهدف إلى كبح جماح حركة الإصلاح الداخلي وقمعها من خلال تحديد سقف معين لا يجب تجاوزه. وفي نهاية المطاف، فإن الظروف السائدة الآن تشبه تلك التي كانت سائدة خلال الحقبة الاستعمارية فيما خص الديموقراطية

رابط المقال الاصلي بالانجليزية: https://gulfnews.com/opinion/thinkers/is-arab-democracy-of-vital-interest-to-us-1.996964